لا تنسَ الماضي أبدًا، فهو يحب أن يذكرك بنفسه

Published by Ezidi Times on

التاريخ الإنساني، للأسف، مليء بالرعب والألم والحزن غير المبرر الذي عانى منه الأبرياء. ورغم أن مصطلح “الإبادة الجماعية” اسم حديث لجريمة ارتكبت عبر التاريخ، إلا أن هذه الجريمة ظلت ملازمة للتاريخ الإنساني مثل لعنة لا تنفصل عنه. وما يزيد الأمر سوءًا هو أنه من الصعب إنكار أن كثيرًا من الدول الحديثة قامت على أساس ارتكاب الإبادة الجماعية.

على تل هادئ في يريفان يقف نصب تسيتسرناكابيرد، نصب ذكرى الإبادة الجماعية الأرمنية، حيث تحافظ الحجارة واللهب على ذكرى أكثر من مليون ونصف روح أُزهقت في عام 1915. اثنتا عشرة لوحة صمّاء تحيط بشعلة أبدية، ترمز إلى الحداد وولادة شعب رفض الزوال. يذكر تسيتسرناكابيرد العالم أن النسيان يدعو إلى التكرار — حقيقة يعرفها الشعب الإزيدي جيدًا. وبين جدرانه الصامتة شعرت بثقل الجراح التي لم تلتئم، وصراخ أولئك الذين تُركوا للتاريخ، والدعوة إلى تكريمهم ليس بالزهور فقط، بل بالعدالة.

منظر عام لمجمع النصب من المدخل.
الجدار التذكاري على الجانب الأيسر من الساحة يمثل ذكرى الأماكن والأشخاص الذين دُمروا خلال الإبادة، والامتنان لمن ساعد الناجين.
نصب الإبادة الجماعية الأرمنية.
الاثنتا عشرة لوحة مرتبة في دائرة تمثل الاثني عشر محافظة المفقودة في تركيا الحالية.
الشعلة الأبدية في وسط الاثنتي عشرة لوحة.
مركز الدائرة بعرض 1.5 متر ويرمز إلى 1.5 مليون أرمني قتلوا خلال إبادة 1915.
برج النصب التذكاري.
العمود الذي يبلغ ارتفاعه 44 مترًا يرمز إلى الولادة الوطنية للأرمن.

© Ezidi Times.

هذا العام، في الثالث من أغسطس، سيصادف الذكرى الحادية عشرة لاستهداف الإزيديين في العراق من قبل تنظيم داعش الإرهابي وتعرضهم لأعمال إبادة جماعية. وعلى الرغم من مرور 11 عامًا، لا يزال كثير من الإزيديين يعيشون في تبعات إبادة 2014، غير قادرين على تجاوز ما حدث. أسباب ذلك عديدة، وربما أقواها هو أن المجتمع الدولي لم يفعل سوى القليل لحماية الإزيديين ومساعدتهم. يعيش الكثيرون في مخيمات النازحين، عالقين في لعبة سياسية قذرة بين العرب، الأكراد، والأتراك — غير قادرين على العودة إلى ديارهم، وغير قادرين أيضًا على بناء مستقبل آمن في مكان جديد. وبينما تدعي ما تُسمى “السلطات الكردية” أنها تحمي الإزيديين في المخيمات، الحقيقة أن حاجتها تكمن في أصوات الإزيديين فقط. من خلال إبقاء الإزيديين في مناطق سيطرتهم، يستطيعون ضمان 200 ألف صوت انتخابي. أما إذا عاد الإزيديون إلى مناطق سيطرة الحكومة العراقية في سنجار، فإن تلك الأصوات ستُحسب للحكومة العراقية. وأي حجج تُقال خلاف ذلك تُرد بسهولة بحقيقة أنه لو كان هناك رغبة حقيقية في توفير سكن مناسب للإزيديين في المخيمات، لما تُركوا يعيشون تحت الخيام طوال العام — حتى بعد 11 سنة.

ومن جهة أخرى، فإن الحكومة العراقية التي تدعي أنها دولة مستقلة ذات سيادة قد خانت مواطنيها: أولًا بعدم حمايتهم من تنظيم داعش الإرهابي، وثانيًا باختيارها ملء جيوبها بالأموال، متجاهلة التزاماتها بتخصيص الموارد للإزيديين. إذا أراد العراق البقاء كدولة، فعليه أن يفي بالتزامه في حماية جميع مواطنيه — بغض النظر عن كونهم عربًا أو مسلمين أو غير ذلك. لأنه إذا استمر العراق في تأسيس دولته على أسس تمييزية كما فعل حتى الآن، فبعد عقد أو عقدين سيزول العراق وينقسم بين قوى أخرى تستطيع السيطرة على وحماية جميع مواطنيه.

مع اقتراب الذكرى الحادية عشرة لإبادة الإزيديين عام 2014، لا يمكننا إلا التطرق إلى موضوع الإبادات الأخرى التي ارتكبت وكيف أن الإنسانية لم تتعلم من أخطائها الماضية. بعد كل إبادة نسمع عبارات مثل “لا تنسَ أبدًا” و”لا يحدث مرة أخرى”، ومع ذلك نجد أنفسنا في وضع يائس يُقتل فيه الأقليات والشعوب الأصلية على يد قوى همجية جديدة.

شجرة زرعها رئيس جمهورية العراق، سعادة السيد عبد اللطيف جمال رشيد، تكريمًا لضحايا إبادة 1915.

في 22 نوفمبر 2023، قام رئيس جمهورية العراق، سعادة السيد عبد اللطيف جمال رشيد، بزراعة شجرة في نصب تسيتسرناكابيرد — إيماءة لتكريم ذكرى الأرمن الذين قضوا في إبادة 1915. لكن المفارقة كبيرة: الدولة التي يمثلها فشلت في حماية الشعب الإزيدي من الإبادة عام 2014، ولا تزال تفشل في حمايته حتى اليوم. تلك الرموز، مهما كانت نواياها حسنة، غالبًا ما تكون بمثابة عصابات تغطي عيون الضحايا والناجين — طقوس تخفي بدلاً من أن تواجه الإهمال المستمر والتهجير والظلم الذي يعاني منه من تبقى. قد تنمو الأشجار وتدوم الحجارة التذكارية، لكن حتى تتحمل دول مثل العراق مسؤوليتها الحقيقية في حماية جميع مواطنيها — الإزيديين على وجه الخصوص — تبقى هذه الإيماءات خاوية.

كم من نصب تذكارية للإبادة الجماعية سيحتاج الإنسان لبنائها قبل أن يصل إلى النهاية؟


0 Comments

Leave a Reply

Avatar placeholder

Your email address will not be published. Required fields are marked *